مهارة الاستماع
السِّرُّ الكامنُ في أهمِّية احتراف مهارة الاستماع الجيِّد هو أثرُهُ الكبير في تعزيز التَّواصُل البشري والتَّحصيل المعرفي الحقيقي في ظل واقع مرير نحياه الآن، ويشهد بفعل التَّميُّز التِّكنولوجي العالي مُستويات فائقة من التَّوتُّر والضَّغط والسُّرعة النَّمطيَّة غير المُستساغة.
من هنا أصبح إحراز النَّجاح المهني والشخصي في حاجة ماسَّة لامتلاك مهارات تواصُل بعينها على رأسها وفي مُقدِّمتها مهارة الاستماع.
تعريف مهارة الاستماع
أكاديميًّا تُعرف مهارة الاستماع الجيِّد أو الفعَّال (Active Listening) بأنها واحدة من مهارات التفكير النقدي المَرِنَة ذات الدور الأساسي في حلِّ المُشكلات وتنمية العلاقات مع المُحيط المُجتمعي.
أمَّا من الناحية العمليَّة فيُمكننا صياغة تعريف بسيط ومُعبِّر عن مهارة الاستماع الفعَّال في أنها القُدرة على تحويل وتركيز الانتباه نحو من يُحاورنا بغرض الوُصول إلى مرحلة من الاستيعاب الكامل للرِّسالة التي يُحاول توصيلها من خلال كلامه إلينا.
أهم فوائد الإنصات الجيِّد
تتبلور مجموعة من الفوائد والإيجابيَّات الاجتماعيَّة والأكاديميَّة عند أصحاب مهارة الاستماع الجيِّد، وتتدخَّل هذه الفوائد بشكل مباشر – وغير مقصود أحيانًا – في تنمية مجموعة من المهارات الشخصيَّة والعمليَّة والعلميَّة الأخرى.
أبرز هذه الفوائد والإيجابيات:
- إظهار حقيقي لاحترام الشخص صاحب المهارة لمُحدِّثه، وهو ما ينعكس بصورة واضحة على تعزيز التَّرابُط بينهما والمُساهمة في بناء علاقة طيِّبة وقويَّة.
- مهارة الاستماع الجيِّد أسرع الوسائل التَّواصُليَّة نحو اكتساب معلومات أدقَّ وأكثر عُمقًا في الموضوع محلِّ النقاش، بعكس الاستماع العابر الذي لا يُستفاد منه جديد، فواقعيًّا يتحفَّز المُتكلم نحو الغوص والتعمُّق أكثر في الموضوع محلِّ النقاش وتفاصيله إذا ما لمس من المُستمع انتباهًا شديدًا وحرصًا على التَّعلُّم.
- مهارة الاستماع الجيِّد الباب الأوسع لتجنُّب المُنازعات أو فضِّها، حيث إن الإنصات العميق يلعب دوره في تدقيق الفهم الصحيح وتجنُّب ما قد ينتج من سُوء فهم.
- التَّواصُل المبنيُّ على الإنصات القويِّ تُصاحبه مُخرجات نقاشيَّة أفضل وقابلة للتَّطبيق على أرض الواقع حول الموضوع المُناقَش بعكس الاستماع الملول أو السريع.
أبرز علامات امتلاك مهارة الاستماع
في سوابق بحثيَّة مُتعدِّدة أُشير إلى خصال أربع تدلُّ بشكل صريح على عدم امتلاك المرء مهارة الاستماع الفعَّال والجيِّد، وهذه الخصال هي:
- مُقاطعة المُتحدِّث بصورة فجَّة، وعلى نحو مُستمر بذريعة مُحاولة الفهم، أو بحُجَّة العلم المُسبق بما يقول.
- المُحاولة الدَّؤوبة للاستحواذ على مُجريات الحوار وتحويلها إلى نقاشات شبيهة أخرى، كأن يُحدِّثك شخص عما رآه في مكان ما، فتمتلك منه زمام الحوار قبل أن يُنهي حديثه لتتحدَّث أنت عمَّا رأيته في المكان نفسه.
- الانشغال أو الشُّرود بأشياء مُحيطة دون التمعُّن في تفاصيل ما يُقال.
- التَّهرُّب وجدانيًّا من الإنصات إلى التَّفكير في الإجابات والرُّدود.
آليَّات تطوير مهارة الاستماع الجيِّد
كغيرها من المهارات المُكتسبة المَرِنَة يُمكن لكل إنسان تطوير وتنمية مهارة الاستماع الجيِّد عنده بخطوات بسيطة وتدريبات واقعيَّة.
وأهمُّ ما يُقوِّي هذه المهارة ما يلي:
- التدرُّب على الانتباه الكامل والتَّركيز القوي مع إفساح المجال للطَّرف الآخر بتكملة رسالته المُراد توصيلها من الحديث مع تقبُّل هذه الرِّسالة، وهنا تتدخَّل لُغة الجسد كعامل حاسم في إعطاء الانطباعات الجيِّدة عن حُسن الاستماع… فاحذرها.
- لا بد من التَّدرُّب على إظهار الاستماع الفعَّال من خلال التَّواصُل البصري وتعبيرات الوجه وإعطاء إيماءات جسديَّة تُوحي بذلك مثل هزِّ الرأس مثلًا.
- تشجيع المُتحدِّث على مُواصلة الحديث كل فترة يُعزِّز من انطباعه نحوك برغبتك في الاستماع لما يقول.
- مُراجعة ما يُقال أو إعادة صياغته بطريقة أخرى أو السُّؤال عن تفاصيل أكثر فيه أمام المُتحدِّث يُفيد من ناحيتين، الأولى إثبات حُسن الاستماع للمُتكلِّم، والثَّانية يُساهم في تنمية الوعي بالموضوع وخلق اعتبارات نفسيَّة ومعلوماتيَّة صحيحة عنه، فضلًا عن أثره في حفظه بالذاكرة طويلة المدى فتعُمُّ الاستفادة من النِّقاش.
- التَّجنُّب الكامل لإصدار الأحكام على المُتحدِّثين قبل أن يُكمِلوا شرح وجهة نظهرهم.
- الرُّدود فنٌّ ومهارةٌ مثلها مثل مهارة الاستماع، فلذا يجب التَّمرُّن عليها أيضًا، حيث إن الرُّدود المُناسبة الصَّحيحة تخلق مجالًا أرحبَ للنِّقاش، بينما الرُّدود الصَّلِفَة تزيد الحواجز وتمنع التَّواصُل.
إرسال التعليق
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.